كثيرًا ما نسمع عن القلق وكيف يؤثر على حياة الكثيرين بالسلب بل ويصل الأمر إلى حد تدمير حياة البعض، ولكن البعض الآخر من الناس يرى ذلك شيئًا تافهًا وأنه مجرد شعور بسيط لا يؤثر على الإنسان لهذه الدرجة؛ ولذلك في هذا المقال سنوضح بشئ من التفصيل تعريف القلق وتأثيره وكيفية التخلص منه، وهل يمكن حقًا أن يكون تأثير القلق على حياتك مدمرًا وأنت لا تعلم وهل من الممكن أنك تضيع الكثير من الفرص في حياتك تحت مسمى الحرص ولكن الأمر يتعلق بمتلازمة القلق التي تُقيد قدراتك وإماكاناتك، كل ذلك سيجري توضيحه في السطور التالية.
القلق
داخل كل فرد منا غريزة تعرف بغريزة البقاء وهي التي تجعلك حيًا وقادرًا على مواجهة المخاطر التي من الممكن أن تتعرض لها في حياتك، والقلق هو شعور طبيعي يظهر كرد فعل لهذه المخاطر تتم ترجمته من خلال الشعور بالتوتر خلال مواقف معينة، لكن يكون القلق في حد ذاته خطرًا عندما يتجاوز الحد ويخرج من تحت عباءة الطبيعة إلى الإفراط، وهنا يظهر ما يُسمى ب”اضطراب القلق أو متلازمة القلق” وهي حالة مرضية يشعر فيها الشخص أنه قلق بشكل مستمر وغير متناسب مع المواقف التي يواجهها ويكون شعورًا مفرطًا ويؤثر سلبيًا على الشخص، بحيث لا يتمكن من ممارسة حياته الاجتماعية أو الوظيفية بالشكل الطبيعي الصحيح.
أنواع القلق
للقلق أنواع متعددة تختلف عن بعضها من حيث الأعراض والمواقف التي تسببها وحدة كل نوع عن الآخر وفيما يلي عرض لأبرزها
اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder – GAD)
وهو القلق المستمر والمفرط حول أمور حياتية متعددة، مثل العمل أوالعلاقات، أوالصحة حتى في غياب أسباب واقعية تستدعي ذلك.
اضطراب الهلع (Panic Disorder)
وهذا النوع يكون على هيئة نوبات ذعر وفزع متكررة ومفاجئة يشعر معها الشخص بخوف شديد من الموت أو فقدان للسيطرة.
وتصاحبها سرعة في ضربات القلب أو ضيق التنفس والتي تعرف ب heart attacks و panic attacks.
اضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)
هو الخوف الشديد من التفاعلات الاجتماعية أو المواقف التي قد يتعرض الشخص من خلالها للحكم عليه.
ولذلك نجد الشخص يتجنب حضور الحفلات أو المناسبات الاجتماعية ويميل أكثر للبقاء بمفرده بعيدًا عن أي تجمعات.
الرهاب (Phobias)
هو خوف مفرط غير منطقي من شئ معين أو موقف معين، مثل الخوف من الأماكن المغلقة أو الخوف من المرتفعات أو الخوف من بعض الحشرات و الحيوانات.
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مخيف للشخص (مثل فقدان شخص عزيز أو عدم تحقيق هدف معين يطمح إليه الفرد أو حدوث أزمة مالية أو اجتماعية كبيرة في حياة الفرد).
ويتمثل في استرجاع الذكريات المخيفة المتعلقة بذلك الحدث أو الكوابيس والخوف الشديد من ذلك.
اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder – OCD)
وهذا النوع من القلق كثيرًا ما يشير إليه الأشخاص مؤخرًا على سبيل الدعابة وكأنه مرض بسيط غير أن الحقيقة أصعب بكثير من تصورهم المحدود عنه.
فهذا النوع قد يسبب مشكلات لا حصر لها للشخص المصاب تؤثر على حياته بشكل مرهق ومدمر.
وهو يتضمن أفكارًا مزعجة ومتكررة (وساوس) تدفع الشخص للقيام بسلوكيات متكررة (أفعال قهرية) للتخفيف من حدة القلق.
القلق الانفصالي (Separation Anxiety Disorder)
يظهر غالبًا عند الأطفال حيث يشعرون بالقلق عند الابتعاد عن المنزل أو الأشخاص الذين يشعرون معهم بالأمان.
لذلك نجد أغلب الأطفال يكثرون من البكاء عند الذهاب إلى المدرسة لأول مرة.
تأثير القلق على الحياة
الأثر على الصحة الجسدية
القلق المستمر يؤثر بشكل شديد على صحة الجسد حيث أنه قد يسبب الأرق أو ضيق التنفس أو الصداع الذي قد يكون مزمنًا أحيانًا.
كما أنه قد يسبب أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وأيضًا التسبب في ضعف الجهاز المناعي.
الأثر على العلاقات الاجتماعية
الإنسان القلق يجد صعوبة في التواصل مع الآخرين حتى أقرب الناس إليه ويميل إلى العزلة والانطواء.
وبالتالي يفقد القدرة على التفاعل الجيد مع العائلة والأصدقاء وكذلك يفقد القدرة على تكوين أسرة وخلافه، ولنا أن نتصور مدى صعوبة ذلك على الإنسان الذي خلقه الله اجتماعيًا بطبعه.
التأثيرعلى الأداء الوظيفي أو الدراسي
الإنسان المصاب بمتلازمة القلق المفرط كثيرًا ما يفقد التركيز في موقع العمل أو الدراسة.
وبالتالي عدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة وقد يصل الأمر إلى التغيب عن العمل أو الدراسة وما لذلك من آثار سلبية على حياة الفرد ماديًا وفكريًا.
التأثير على الحالة النفسية ونوعية الحياة
القلق يصيب الإنسان بالاكتئاب واليأس ويزيد من الإفراط في العادات غير الصحية، كالتدخين أو الإفراط في تناول الطعام لاسيما الأطعمة التي تحتوي عن نسبة عالية من السكر للتخفيف من حدة التوتر وما يترتب على تلك العادات من أضرار على صحة الجسم.
كذلك التأثير على نوعية الحياة فلأشخاص يهابون أمورًا عدة قد يجدون صعوبة حقيقية في الاستمتاع بالحياة أو حتى الأنشطة اليومية البسيطة أو تجربة أشياء جديدة، كالسفر أو تعلم مهارة جديدة وهو ما يصيب حياتهم بالملل والشلل الكامل.
كيفية التخلص من القلق بطرق فعالة
القُرب الدائم من الله وعدم التعرض لمسببات القلق والتحكم في الأفكار السلبية
كعدم التعرض للأخبار السئية أو المُفزعة والعمل بما قاله سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:”اعتزل ما يؤذيك”.
ومحاولة التدرب على تلقي أي خبر سئ بهدوء والإيمان التام بأن كل شئ بيد الله.
وهو الأمر الوحيد الذي يجعل أي حدث صعب يسيرًا و أن الدنيا دار فناء ويجب علينا التسليم الكامل والإيمان بالقضاء والقدر.
ويكون ذلك من خلال دراسة سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكذلك سير الصحابة والتابعين.
تحديد المشكلة وامتلاك الإرادة القوية للتغيير
أولى خطوات التخلص من أي شئ أو عادة سيئة في حياتنا هي الصدق مع النفس في تحديد المشكلة.
وأن يكون الإنسان صادقًا في رغبته على التغيير في تلك اللحظة فقط يمكنه أن يحول حياته بالكامل.
ممارسة الرياضة والنوم الجيد
قد يظن البعض أنها مجرد نصيحة مكررة لكنها من أهم النصائح على الإطلاق إذا أراد الإنسان أن يحيا حياة صحية وسعيدة.
فالرياضة والنوم الجيد من أهم العادات التي تساعد ليس فقط على التخلص من القلق ولكن أيضًا تساعد على التخلص من أي عادة سلبية آخرى.
لذلك يجب أن يمتلك الإنسان الإرادة القوية التي تمكنه من الالتزام والوصول للنتائج المرجوة.
تنظيم الوقت وتحديد الأولويات
قد ينتج القلق أحيانًا من كثرة المسئوليات والتشتت وعدم وجود خطة واضحة في الحياة.
لذلك يجب وضع جدول يومي متوازن وغير مُكدس لتجنب الإرهاق.
واعتماد طريقة التجزئة وعدم وضع مهام كثيرة جدًا لا تتناسب مع الوقت المتاح ولا إمكانيات الشخص.
اتباع نظام غذائي صحي وكذلك تقنيات التنفس العميق
قد يظن البعض أنه أمر لا يمت للقلق بصلة لكنه على العكس تمامًا فعدم وجود نظام غذائي متوازن قد يؤدي بالشخص إلى الإصابة بالسمنة أو الضعف الجسدي؛ لعدم تناول العناصر الغذائية اللازمة لصحة الجسم،.
وهو الأمر الذي قد يعرضه لعدم الثقة في النفس وما يترتب على ذلك من أنواع القلق المذكورة سابقًا.
كذلك تقنيات التنفس العميق التي تقلل من حدة لحظات الغضب والخوف وهي تقنيات مُجربة وفعالة.
التحدث مع الآخرين وممارسة هوايات ممتعة
يجب أن يُحيط الإنسان نفسه بأشخاص إيجابيين وناجحين فالمرء على دين خليله.
والعلاقات الصحية السوية قادرة على تحويل الفرد من حال لحال فالإنسان بحاجة للمساعدة من المحيطين به، لاسيما إذا كان يمر بوقت عصيب.
كذلك ممارسة الهوايات الممتعة التي يفضلها الشخص من أفضل الأساليب الفعالة للتخلص من القلق والتي تعطي شعورًا بالحيوية والنشاط والقدرة على مواجهة المشكلات بطاقة إيجابية.
وتكون مثل القراءة أو مشاهدة فيديو مفيد أو ممارسة لعبة مسلية مع العائلة أو الأصدقاء.
الاستشارة الطبية
ويلجأ الشخص لذلك إذا قام بتجربة كل الخطوات السابقة ولم تُجدي نفعًا وأصبح القلق ذا تأثير مؤذي وواضح على حياة الفرد ومعرقلًا له في أبسط مهامه اليومية وأبسط علاقاته مع الناس.
بمعنى آخر عندما يصل الشخص إلى مرحلة يصعب فيها السيطرة على النفس، أو قد تصل لحد فقدان الحياة كالإقدام على الانتحار مثلًا أو التعرض لمشاكل صحية واضحة.
مصادر قد تساعدك في رحلة التخلص من القلق
الكتب
كتب دكتور ابراهيم الفقي لاسيما كتاب (دع القلق وابدأ الحياة).
و كتاب (اهتم بذاتك) وتقدم هذه الكتب أفكارًا رائعة وفعالة على لسان محاضر عالمي متخصص في التنمية البشرية.
كتاب ديل كارنيجي والذي يحمل أيضًا عنوان (دع القلق وأبدأ الحياة).
قنوات اليوتيوب
قناة المهندس علاء حامد خاصة (دورة السيرة النبوية) والتي يتجلى فيها ما تعرض له الرسول والصحابة من مخاطر وصعوبات وكيفية تعاملهم معها بيقين وتسليم كاملين لله وصبر شديد، كذلك دورة ( الهشاشة النفسية).
المقالات
هذا المقال يحتوي على نصائح رائعة تساعدك على بناء عادات صحية وجيدة تستطيع من خلالها تحسين جودة حياتك.
وختامًا إذا أردت أن تتعرف أكثر على القلق تعريفه وتأثيره وكيفية التخلص منه فهذه السطور كافية ووافية.
وستساعدك على تغيير نظرتك للحياة وتجعلك أكثر إقبالًا عليها وأكثر شجاعة على خوض تجاربها.
وستعلم أن المثل الشعبي الشهير (من خاف سلم) لا ينطبق على كل أمور الحياة.
بل إن الحياة تحتاج إلى الشجاعة والإقدام أكثر بكثير من الحرص والحذر المبالغ فيهما.
فالاعتدال هو الأساس الصحيح الذي تستقيم به حيواتنا.
الكاتبة/رقية مبارك